الجمعة، 4 أبريل 2014

الموضوع: قيل:ليس الفنّ مجرّد نسخ للواقع، و إنّما هو خلق له. ما رأيك؟


الموضوع: 

قيل:
ليس الفنّ مجرّد نسخ للواقع، و إنّما هو خلق له. ما رأيك؟ 
مرحلة الفهم: 
*  يتمحور المشكل الذي يطرحه الموضوع حول علاقة الفنّ بالواقع، أي حول معاني كلّ من الفنّ  و من الواقع. والسؤال الذي يُثار حول معنى الفنّ، هو: هل تكمن حقيقة الفنّ في تسجيل و نسخ الواقع أم في تطلّعه إلى مثل أعلى للجمال ؟ و إذا كان الفنّ تمثيلا للواقع، فما الذي يجب أن يستثير اهتمامنا: هل هو "الشيء" الذي وقع تمثيله أم هو أسلوب تمثيله ؟ 
و السؤال الذي يُثار حول معنى الواقع هو: 
*  هل يقصد بلفظ الواقع: الواقع الحسّي، الظواهر، الأحداث، الملموس، المباشر، الطبيعي، 
*  أم الواقع الاجتماعي المعطى، المعيش، تجارب الحياة اليومية، 
أم الواقع المثالي الروحاني، القيم و المثل العليا، 
أم الواقع الخيالي الممكن اللاراهن، الافتراضي. 
المطلوب هو شرح المفارقة: إذا ما ابتعد الفنّ عن الواقع كيف يتسنّى له أن يُحافظ على صلته به، و الاقتراب منه ؟ كيف يُحافظ الفنّ على واقعيّة إذا ما ابتعد عن الواقع الحسّي اليومي المباشر، و إذا ما أغرق في المثالية و التجريد، و إذا ما ابتعد و تسامى و تجاوز الواقع، و إذا ما اتّجه صوب اللامرئي المعقّد الخفي، بدل الالتحام بالمرئي والاقتصار عليه ؟ 
*  المطلوب هو الانتباه إلى المسلّمات الضمنية للموضوع و هي: 
أنّ الفنّ قد يتعارض مع النزعة الواقعية التي ترى أنّه مجرّد نقل و نسخ أمين للواقع (نظرية المحاكاة). 
أنّ مثالية الفنّ لا تتعارض مع واقعيّته. 
أنّ الخيال و الإبداع و الأسلبة و الترميز و التمعين لا تبنى على التعارض بين الفنّ و الواقع 
أنّ الفنّ لا يكتفي بنقل الواقع كما هو، بل يسعى إلى خلق واقع جديد مغاير له. 
التمهيــد: 
الإشارة إلى أنّ علاقة الفنّ بالواقع تظلّ إشكالية و متّسمة بالغموض، و تحتاج إلى معالجة دقيقة، و ذلك بالنظر إلى أنّ تعدّد المقاربات و المذاهب و الاتّجاهات الفنّية منذ القِدم، حالَ دون الوصول إلى إجابة حاسمة. و هو ما من شأنه أن يدفع إلى طرح السؤال حول طبيعة العلاقة التي تجمع الفنّ بالواقع، و حول مدى وجاهة القول بأنّ الفنّ يقترب من الواقع أكثر، كلّما ابتعد عنه. 
الخطوط الأساسية للمقال: 
أ / المستوى الأوّل: 
*  يُمكن التعرّض في المستوى الأوّل إلى الاتّجاه الطبيعي و الواقعي الذي اعتبر أنّ الواقع (سواء أكان هذا الواقع هو الطبيعة أو المجتمع) مُنطوٍ على الجمال، و أنّ المحاكاة لم تكن تعني عند أرسطو نسخ الواقع وتقليده، و إنّما كانت تعني وضع رؤية إبداعية من خلالها يستطيع الفنّان أن يخلق عملا جديدا من مادة الحياة و الواقع، طبقا لما كان، أو لما هو كائن، أو لما يجب أن يكون. و بالنتيجة، فإنّ المحاكاة تعني الإبداع، و إعادة الخلق. 
*  الحقيقة و الجمال يكمنان في الواقع عند أرسطو خلافا لأفلاطون الذي رأى أنّهما يكمنان في عالم المثل. 
 *الفنّ في نظر أرسطو هو بحث عن الشكل المتناسق، و عن الموضوع الجميل و الوجه المليح. إذ في العالم يكمن الجمال. 
*  يمكن التعرّض إلى الاتّجاه الواقعي في الفنّ، و إبراز تماثل الجمال الفنّي مع الجمال الطبيعي. 
*  لقد ساد هذا التماثل حيث كان الميل قويّا إلى رسم ما يعتبره جميلا في الطبيعة. و برز ذلك في رسوم نماذج بشرية كأجسام الرياضيين و أجسام النساء. 
*  و قد قام هذا التماثل على تبنّي نظرية المحاكاة على أساس أنّ الموضوع المرسوم يشبه الأشياء المنظورة في الطبيعة أو في المجتمع بوجه عام. 
ب / المستوى الثاني: 
يُمكن التعرّض في مستوى ثان من التحليل إلى التعارض بين الفنّ و الواقع بالإحالة على النظرية الأفلاطونيةالثنائية للوجود و نقده للمحاكاة، أو بالتعرّض إلى بعض المواقف الفلسفية أو الاتّجاهات الفنّية التي شدّدت على الطابع الذاتي الإبداعي للفنّ، و التي نظرت إليه على اعتبار أنّه يتطلّب العلوّ و التجاوز للواقع والابتعاد عنه (أفلاطون، كانط، هيجل، ماركوز، بول كلّي، هيدقير) 
يرتبط التنديد بالمحاكاة عند أفلاطون بمفهومه عن المثل. إنّ الفنّ محاكاة للعالم الحسّي. و العالم الحسّي محاكاة لعالم المثل. لكن الفنّ محاكاة مشوّهة للعالم الحسّي. و العالم الحسّي محاكاة مشوّهة لعالم المثل. و من هنا، يبعد الفنّ ثلاث خطوات عن الحقيقة. إنّ هذه المحاكاة (كما قال أفلاطون في محاورة الجمهورية):"شحّاذة تزفّ إلى شحّاذ لتنجب منه (بطريقة مهينة) أطفالا". و لذلك، يجب علينا أن نتذكّر بأنّ المثل هي جواهر الأشياء و حقيقتها و تعريفها. و هو ما يترتّب عنه أنّ فنّ المحاكاة، هو تزييف لعالم المثل، أي أنّه تزييف لجواهر الأشياء و حقيقتها. ويقول أفلاطون في محاورة السفسطائي:" يجب أن نبدأ بتقسيم فنّ الإبداع لأنّ المحاكاة هي نوع من الخلق للصور على أيّ حال، و ليس للأشياء الحقيقيّة". 
مرحلة التحرير: 
التمهيد : 
* إمكانية أولى: يُمكن الانطلاق من أنّ السمة التي أصبحت مميّزة للفنّ اليوم، هي التعبير عن رغبة في تجاوز الواقع السائد و المألوف، و في التحرّر من كلّ التقييدات و أشكال الضغط و القمع و القولبة التي فرضها المجتمع الصّناعي الحالي، و التي أصبحت تتحكّم في فكر و سلوك الإنسان المعاصر بقوّة و عنف، لم يعرف تاريخ الإنسانية له نظيرا. فتوسّل الفنّ، بما هو تعبير عن موقف من الحياة، هو موقف الانشقاق والنقد والرفض. 
* إمكانية ثانية: يمكن الانطلاق من الإشارة إلى موقفيْن متعارضيْن من الفنّ، على اعتبار أنّه رؤية للعالم، وأحد أشكال الوجود فيه: يرى الموقف الأوّل أنّ الفنّ مرتبط أوثق ارتباط بالحياة، و على أنّه أعظم مظاهر الحيوية والاحتفاء بالحياة و الإقبال عليها (نيتشه مثلا)، و يرى الموقف الثاني بأنّ الفنّ ينفصل عن الحياة و يهرب منها، وذلك بالنظر إلى الضغط و القمع الاجتماعي الذي يدفع الفنّان إلى خلق عالم خاصّ به، و إلى تأكيد استقلاليته وحرّيته، و رغبته في التمرّد على المعايير و القواعد و القيم السائدة. 
* إمكانية ثالثة: يُمكن الانطلاق من أنّ الإيديولوجيات السياسية فقدت في الآونة الراهنة جاذبيتها و نجاعتها. إذ فشلت في تحقيق وعدها بتجسيم الجنّة على أرض الواقع، و نشر السّعادة. و هو ما دفع بعض المفكّرين إلى التعلّق بالفنّ وتثمين طابعه الإنساني الكوني، و قدراته الثورية التحريرية بغاية مكافحة كلّ أشكال الاستيلاب والقولبة و التكيّف والدمج. 
* إمكانية رابعة: يُمكن الانطلاق من ملاحظة أنّ تاريخ البشرية إلى الآن كان يجري في بعديْن: هما بعد التكيّف والاندماج في المجتمع القائم، و بعد المعارضة الثورية. و الإشارة إلى أنّ الإنسان المعاصر أضاع ملكاته النقدية، وأصبح ذا بعد واحد، خاضعا للحاجات المقولبة التافهة، و عاجزا عن أنّ يحلم بتغيير الواقع، و بتجديد أسلوبه في الحياة. 
الإشكاليــة: 
التساؤل عن طبيعة العلاقة التي تربط الفنّ بالواقع: هل هي علاقة تنافر أم تناغم ؟ 
التساؤل عن الوسائل و الآليات التي عمد إليها المجتمع الصّناعي لإخماد طاقة الفنّ الثورية و عن كيفية توفيقه بين المتناقضات. 
التساؤل عن امتداد انسداد الأفق أمام النقد و المعارضة الذي تجلّى في النظام الكلّي الاستبدادي الجديد، والذي ميّز الثقافة المعاصرة. 
التساؤل لماذا أصبحت الثورة مستبعدة، بل مستحيلة. 
التساؤل عمّا إذا كان الفنّ بما هو طريق إلى الجمال و السّعادة يتفرّد بأنّه يحمل تسوية و مصالحة بينه و بين الواقع و بين الممكن و الراهن. 
أي بالتساؤل عن قدرة الفنّ على خرق الانغلاق و الحصار الذي فرضه عليه المجتمع الصّناعي الأحادي البُعد. 
التحليـــل: 
يتعيّن على المترشّح تركيز تحريره حول الوظيفة الثورية للفنّ، و حول طابعه الشمولي الإنساني، و الوقوف عند الوسائل التي من الممكن له الاعتماد عليها بغاية اختراق انسداد الأفق، و فكّ المحاصرة التي فرضها عليه المجتمع الصناعي المعاصر. 
العنصر الأوّل: بيان انسداد الأفق و الانغلاق الذي يمنع المعارضة و النقد: 
الإشارة إلى أنّ المجتمع الصّناعي أفرغ الفنّ من مضمونه الإنساني الثوري و التحرّري. 
الإشارة إلى أنّ العناصر التي كانت تحتوي في الفنّ و الأدب على حقيقة أعلى و على جذور للفعالية الثورية، أصبحت اليوم مستوعبة و مدمجة داخل المجتمع الاستهلاكي البضائعي. 
الإشارة إلى ظهور نزعة استبدادية شمولية طغت على الثقافة المعاصرة، و هي ليست مجرّد تنميط سياسي عنيف فقط، و إنّما هي تنميط اقتصادي غير عنيف. و هي نزعة تنسجم مع تعدّد الأحزاب، و تنوّع السلط، وتتعايش داخلها الآثار، و الحقائق المتناقضة في جوّ من السلم و اللامبالاة". 
الإشارة إلى أنّ اللغة السياسية تشهد على انتصار المجتمع على التناقضات التي ينطوي عليها، و على أنّ هذه التناقضات تتناغم و تتجدّد دون تفجير النظام القائم. 
عرض أمثلة مستمدّة من الواقع تبرز امتصاص اللغة السياسية الأحادية البعد للتناقضات في المجتمع القمعي الاستبدادي الجديد. و ذلك عندما تسمّى الحكومة المستبدّة، حكومة ديمقراطية، أو الانتخابات المزيّفة انتخابات حرّة، أو عندما تستخدم عبارات مبنيّة على التعارض مثل "السلام هو الحرب". 
استنتاج أنّ الميل في المجتمع الصناعي، هو الميل إلى التكيّف و الاندماج. وهو ما حكم على المعارضة والنقد، بالتلاشي و الزوال. 
استنتاج أنّ الميل (الذي يُرافق الانصهار و الامتثال و يتناسب مع النظام القائم)، هو رفض للرفض، و للنقد، والاحتجاج، و استحالة أيّ شكل من المقاومة. 
يمكن التعرّض إلى بعض آليات السيطرة، مثل وسائل التواصل الجماهيري، و التشريط الاجتماعي و النفسي والثقافي، و نشر الرّفاه المادي التي أنتجت مجتمعا أحادي خالٍ من المعارضة. 
العنصر الثاني: بلورة الأمل في التحرّر من استبداد المجتمع عن طريق الفنّ : 
الوقوف عند ادّعاء المؤلّف قدرة الفنّ على إيجاد تسوية للتوتّر الحاصل بين الراهن و الممكن. 
بيان الاختلاف و التعارض بينهما. إذ يقصد بالرّاهن الواقع المعطى أو الواقع اليومي أو عالم الأعمال. ويقصد بالممكن الواقع المنشود أو المأمول. و هو الواقع الذي يتخيّله الفنّان، بما هو طريق إلى الجمال والسّعادة. 
بيان أنّ الفنّ يبتعد عن الواقع اليومي المباشر إذا ما أغرق في المثالية و التجريد، و إذا ما عمد إلى إعادة بناء وتشكيل الواقع، أو إذا ما لجأ إلى آلية التصعيد أو اتّجه نحو تجاوز المرئي إلى اللامرئي الخفيّ، و ذلك عبر الأسلبة والترميز و التمعين، بغاية نفي و معارضة النظام القائم. 
بيان أنّ القدرة على الترميز و التخيّل تفيد بصفة عامة معاني التجاوز و التعالي على السائد، و على مجموع الحقائق و القيم المتّفق عليها، بغاية الانتقال إلى عالم المعاني المتصوّرة، و إلى استحضار الأحداث الممكنة. 
بيان أنّ قدرة الفنّ على تقويض العالم القديم، و خلق عالم جديد عن طريق روح السّلب و المعارضة. 
بيان أنّ الفنّ يبلبل أركان التجربة اليومية، و يظهر زيفها، و أنّ الفنّ يفضح القمع، و يبدّد التعاسة و الشقاء، و بأنّ الفنّ يكفل إقامة مصالحة، و تقديم الحلّ لتجاوز العلاقة المتأزمة بينه و بين الواقع، و بين الإنسان والعالم، و الإنسان و نظيرهما، هو سبيل للإفلات من الوعي الشقيّ الذي يسعى المجتمع الرأسمالي إلى تكريسه لإحباط قوى الرفض، و المقاومة الكامنة فيه. 
استنتاج الطابع الشمولي للفنّ، و ذلك من خلال التأكيد على أنّه يتجاوز الشكل و المضمون الخاصيْن بوضع اجتماعي مُحدّد، من حيث أنّ الآثار الفنّية و الأدبية تتجاوز الحدود الزمانية و المكانية لتخلد قيمة من القيم الإنسانية، مثل البطولة و الشجاعة. 
استنتاج إيمان المؤلّف بحضارة إنسانية لا قمعية، تسعى عبر الجمال إلى عالم الحرّية و السّعادة، و إلى التحرّر من الظروف اللاإنسانية، و ذلك عندما يفقد عالم الأعمال و المشاريع طابعه الجدّي. 
الإشارة إلى أنّ المؤلّف سعى (من خلال مقاربته النقدية) إلى مراجعة الأساس الذي بنيت عليه الحضارة الإنسانية، و هو العقل، و إلى أنّ الفنّ هو تعبير عن تحرير الإيروس و الخيال من كلّ سلطة. إذ فيهما تتفجّر كلّ الطاقات الحيوية الكامنة في الذات، على اعتبار أنّها طاقات انشقاقيّة رافضة، و أنّها تضفي على الآثار الفنّية جمالية وأصالة. 
المكاسب: 
إبراز طاقة الفنّ السياسية، على اعتبار أنّها ثاوية في الفنّ ذاته، و في شكله الجمالي، و في تمتّعه بقدر واسع من الاستقلال عن العلاقات الاجتماعية السائدة. 
أظهر النصّ أنّ الطابع التقدّمي للفنّ لا يقاس بالأصل الاجتماعي للفنّان، و ليس لغير الأثر الفنّي أن يقدّم معايير لهذا الطابع، و ذلك بقدر ما يكشف الشكل الجمالي عن أبعاد مقموعة في الواقع. 
الكشف عن أنّ الشكل الجمالي يستطيع (عن طريق الخيال) تغيير القواعد التي فرضها النظام القائم. 
الكشف عن الوظيفة المزدوجة للفنّ: من حيث أنّه، من جهة، اتّهام مُوجّه إلى الواقع، و أنّه من جهة ثانية، احتفاء يسمح بمقاومة الظلم و القمع و القهر السائد فيه، و أنّه من شأن هذه الوظيفة أن تبرز نوعيْن من الحقيقة: حقيقة يومية تعادي الفنّ و تدوسه و تهدم الحياة و المجتمع و تطمس و تقهر الذات، و حقيقة فنّية، تتعالى باستقلاليتها على الواقع، و تقاوم كلّ إقحام أو دمج أو ابتلاع. 
تثمين الوظيفة العلاجية للخيال. فعندما يكون الواقع شديد الضغط و القسوة و العنف، يستطيع الإنسان توجيه اهتمامه نحو اللاواقعي، و نحو الخيالي و الوهمي، حتّى و إن لم يحقّق له أماله إلاّ بشكل من الترضيّة الاستشباحية الوهمية. ليس الخيالي خاليا من الفائدة و القيمة، فهو يخفّف الآلام، و يُداوي الجروح (نيتشه)، ويسمح (و لو لبعض الوقت) بالإفلات من أسر الواقع و هيمنته. 
تثمين الوظيفة الخلاصيّة، ليس بالمعنى الديني، طالما أنّ الفنّ ليس هروبا من رعب الوجود و عبثيته، و إنّما هو تحويل لرعب الوجود إلى آثار فنّية، يكون هذا الرعب بموجبها جميلا، و يكون الألم فيه انتشاء و سعادة. 
معالجة مشكلة الإبداع الفنّي بردّه، لا إلى الرغبات اللاواعية وحدها (فرويد)، أو إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية (ماركس)، و إنّما إلى الوضع الإنساني الذي من شأنه أن يكسب الشكل الجمالي طابعا شموليا وكونيا. 
نقد المؤلّف النظريات الأحادية الجانب الفرويدية و الماركسية اللتان فسرّتا الإبداع بالإحالة (حسب رأيه) على معايير مُسقطة على الأثر الفنّي من خارجه. و محاولة المؤلّف الربط (بطريقة نسقية و تأليفية) ما استفاده من العلوم الإنسانية، و من الفلسفة، بين الاجتماعي و النفساني، و بين الإنساني في الفنّ. 
 الحدود: 
يُمكن التعرّض إلى أنّ آراء المؤلّف حول الفنّ (بصفته قوّة ثوريّة رافضة للنظام القائم) تنطوي على قدر من التعميم المفرط، و ذلك لأنّه، لو كان من الجائز مثلا إسناد صفة الثورية إلى الفنّ الذي يتجاوز قوانين الطبيعة والمجتمع، لكان من الجائز إسناد هذه الصفة إلى الفنّ التجريدي، على أساس أنّه الفنّ الأكثر خروجا و تمرّدا على الواقع. غير أنّه من الممكن أن يؤوَّل على أنّه يدعو إلى الرضوخ و الاستسلام للواقع و للنظام القائم. ذلك لأنّه من الممكن النظر إلى التجريد بما هو هروب و ابتعاد عن الواقع، حتّى و إن كان ناتجا عن السخط، وعن عدم الرضى. فهو ينطوي على موافقة ضمنية لأصحاب النفوذ، و تسترّا على التناقضات و الصراعات، و سكوتا عن الأوضاع اللاإنسانية. 
كما أنّ التغيير الفعلي للأوضاع اللاإنسانية لا يمكن أن يتحقّق على أيدي الفنّانين الرومانسيين الحالمين من أصحاب النزعة الفنّية الجمالية المتطرّفة، و إنّما هو ببساطة مهمّة موكولة إلى رجال السياسة، و إلى أصحاب النفوذ الفاعلين في الواقع. 
ربط الفنّ و إنتاج الآثار الفنّية بالعولمة السياسية و الثقافية التي أدّت إلى انتشار الفنّ، و إلى المتاجرة به، وإلى تبضيع الثقافة، و ابتذالها، و الخفض من قيمتها، و إلى فقدان الفنّ قدرته على الرفض و المقاومة والاحتجاج. 
التعرّض إلى أنّ مقاربة المؤلّف للمسألة الجمالية طرحت حلما بالتغيير برومانسية ثورية كانت مفتقدة في ظلّ الواقع الاجتماعي و السياسي الراهن للعالم الرأسمالي، و إلى أنّها استهدفت تفتيت الشرعية الزائفة للمؤسّسات القائمة. غير أنّ  هذه المقاربة ليست أكثر من نوع من اليوتوبيا الخيالية، و قد انبثقت من داخل اليأس الساكن في واقع كرّس القمع و الاغتراب. 
التعرّض إلى تناقض المؤلّف، لأنّه إذا كان النظام القائم في المجتمع قد سدّ كل المنافذ لمنع مقاومة، فإنّه يصبح من الصعب تفسير إمكانية أن تحتلّ مقاربته النقدية مكانا فيه. 
التعرّض إلى أنّ هذه النظرية النقدية اليوتوبية ثمّنت الحلم و الخيال و الإيروس (أي القوى الدفاعية) على اعتبار أنّها تحمل وعدا بالسّعادة المفقودة، و على اعتبار أنّها تؤسّس لعالم إنساني بديل، يقوم على إفشال مبدأ الواقع، وإعلاء مبدأ اللذّة. 
الخاتمة: 
من الممكن التركيز على الموقف الإيطيقي القيمي الذي تبنّاه المؤلّف. 
كما من الممكن تبنّي الموقف المتفائل القائل بأنّ الفنّ يتّسم بطابع إنساني كوني، و أنّه قادر على تحرير وتوحيد الجنس البشري. 
كما من الممكن تبنّي موقف متشائم، و التأكيد على انسداد الأفق أمام أشكال المقاومة و الثورة، و على أنّ العالم الذي رسم المؤلّف ملامحه، ينتمي إل ما يجب أن يكون، و أنّه يظلّ عالما إيطوبيا حالما، و على أنّه، حتّى لو تمّ القضاء أو التخفيف من شدّة الصعوبات، فلن يكون لقاء الإنسان بالإنسان لقاء يقوم على التعايش السلمي، كما لن يكون الوعد بالجمال و السّعادة سوى أمنية وردية، هي أقرب إلى الخيال. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق