الثلاثاء، 28 ديسمبر 2010

تدريب على تحليل موضوع فلسفي مسألة النمذجة العلمية الأستاذ : فيصل خضر


 تدريب على تحليل موضوع فلسفي    مسألة النمذجة العلمية  الأستاذ : فيصل خضر
الموضوع:
قيل -   "النمذجة طريقة ممتازة لا تقتصر على إبراز منتجات الطبيعة لكنها تنتج عددا لا محدودا و متنوعا من الأعمال تتجاوز الطبيعة " - ما رأيك ؟ 
لحظة التمهيد: إن الفهم مطلب الإنسان و هاجسه الأوحد – و الفهم محرك التاريخ الإنساني بشتى تجلياته – وليست الأسطورة و الفلسفة و العلم إلا أشكال لهذا الفهم – و محاولات لسبر أغوار هذا العالم – و فهم ألغازه المتشعبة و المختلفة. و في هذا السياق يؤكد احدهم على أن  النمذجة طريقة ممتازة لا تقتصر على إبراز منتجات الطبيعة لكنها تنتج عددا لا محدودا ومتنوعا من الأعمال تتجاوز الطبيعة"
لحظة طرح الإشكالية : ما النمذجة ؟ و هل تعنى هذه الأخيرة  بما هو معطى في الطبيعة  أم أنها تتجاوزه لتؤسس لما يجب أن يكون ؟ بعبارة أخرى هل يختزل جهد المنمذج في كشف و وصف الظواهر الطبيعية ؛ أم انه جهد ينفتح على الإنشاء و الإنتاج و الإبداع ؟ و إلي أي مدى نجحت النماذج العلمية في كشف و إجلاء حقيقة الظواهر من جهة و التأسيس لواقع ما بعد طبيعي " صناعي " من جهة أخرى ؟.
التحليل:
الاشتغال على المفاهيم
ملاحظة : الاشتغال على المفاهيم يكون سياقيا و ليس بطريقة معزولة عن التحليل.
الاشتغال على المسلمات الضمنية
ملاحظة : يطالب التلميذ بتحليل الإقرار الوارد في صيغة الموضوع.
 "النمذجة طريقة ممتازة لا تقتصر على إبراز منتجات الطبيعة لكنها تنتج عددا لا محدودا و متنوعا من الأعمال تتجاوز الطبيعة "
- يعرف القول النمذجة بالطريقة الممتازة – أي المنهج أو التقنية التي تتصف بالصرامة و النجاعة في دراسة و كشف حقيقة الظواهر التي تتناولها بالدرس.فالنمذجة هي طريقة حاول من خلالها العلماء تمثل و تفسير و فهم الكون و ظواهره من جهة و تقنية ترتبط بمعنى الخلق بما يعنيه الخلق من إيجاد بمعزل عن مثال سابق .
- النمذجة رؤية للعالم و نظام رمزي ؛ من خلالها حاول العلماء إعادة تنظيم الكون ؛ عبر تفسيره و الكشف عن القوانين و العلل التي تحكم ظواهره و كذلك تنخرط النمذجة في سياق إنتاج عالم إنساني مرتبط بأحلامه التي تمثل كونا مغايرا و مفارقا للكون الذي نوجد فيه.
- يموقع القول النمذجة؛ بين الإبراز – بما يعنيه من كشف و  إظهار – لشيء / ظاهرة - موجودة تنتظر الإجلاء ( التفسير و الوصف ) و الإنتاج ؛ بما يعنية من بناء و إنشاء يتجاوز الواقع المعطى.( الإنشاء و التوقع ).
- يميز القول بين نمذجة تحليلية مغلقة و نهائية ؛ تعتبر فيها التجربة معيارا لصدق النتائج و نمذجة سيستيمية مفتوحة تستعمل نماذج غير مكتملة ؛ مفتوحة و مرنة.
- يؤكد القول أن النمذجة هي منهج يمكن اعتماده في دراسة الواقع ؛ الذي يشتمل على ظواهر يمكن إخضاعها للملاحظة و التجربة و كذلك تمكن من إبراز و إظهار حقيقة  يمكن أن توصف بالنسبية و ذلك بالاعتماد على نماذج افتراضية ترتبط بخيال المنمذج شديد الارتباط ؛ يمكن أن ترد في شكل صياغات رياضية ؛ و هذه النماذج ترتبط بفضاء الميكروفيزياء ( الذرة ) و المكروفيزياء ( الأجرام السماوية ). و هذا ما يؤكده " فيتغنشتاين" من خلال قوله: " إننا نصنع لأنفسنا صورا عن الواقع ".
-  النموذج في علاقة بماهو كائن من خلال فهم و تفسير و تبسيط الواقع  بما يعنيه التبسط من اختزال و إهمال و تعميم للظواهر و بالتالي فالنمذجة العلمية هي تمثل للواقع أو لنسق واقعي و يفيد التمثل أن النموذج ليس مجرّد تصور يعكس الواقع كما لو كان صورة فوتوغرافية، فلا معنى من الناحية العملية لنموذج مطابق للواقع و اعتبار النمذجة بناء يعني أن النموذج يبني واقعه، دون انشغال بتصوير الواقع كما هو[ استراتيجيا الإهمال، الطابع الغائي للنموذج] ؛ حيث يسمح نموذج التبسيط بدراسة الواقع – بمختلف ظواهره  مكروفيزيائية و ميكروفزيائية و ذلك بتبسيط اللامرئي و يساعد على التفكير في المركب le complexe  - و نذكر مثال الذرة atome و الخلية cellule .
 و ما يجب أن يكون من خلال نماذج افتراضية ذات طابع استشرافي – تتيح التفكير في المستقبل و ترسم الإمكانيات التي يمكن أن تكون عليها هيئة ظاهرة ما أو واقعة ما.فالنمذجة تنتج معرفة مشروع، وهو ما يعني أنّ النمذجة تنشًدًُ إلى واقع غير موجود فتحاول إيجاده من خلال التطبيقات العلمية ، وهو ما يؤكد الطابع الخلاق للنمذجة ويؤكد العلاقة الخلاقة بين العقل والخيال.( يمكن أن نستدل هنا بمثالين : مثال الذرة – كظاهرة ميكروفيزيائية ؛ و لغياب التقنيات التي تسمح بدراستها دراسة موضوعية و إخضاعها لملاحظة علمية دقيقة ؛ هو ما يستدعي حضور نمذجة  إنشائية تساعد على بناء نموذج تقريبي يساعد على فهم كيفية اشتغال الظاهرة.و مثال من علم الهندسة ؛ الذي يكشف عن نجاحات العلم بالاعتماد على نماذج افتراضية ؛ خيالية في اختراق اللامرئي و إظهاره  و إيجاد "اللاوجود " من خلال نماذج خيالية مبدعة.).
يقول "لودفينغ بسكال ": يمكن للنماذج التي يبنيها العلماء أن تتكلم عن أشياء لا يمكن أن توجد إلا في تامثل ؛  و في بناء خيالي يكون هدفه الوحيد تنظيم معطيات ؛ أو التوصل إلي بعض التوقعات ".
- يؤكد "لودفينغ بسكال" أن العلم الحديث ؛ لم يعد سجين " ما هو كائن " أي  ما هو معطى في الطبيعة من ظواهر ؛ بل انخرط هو الآخر في الانشغال بما يجب أن يكون وذلك من خلال استشراف واقع قد يكون بيولوجيا ( الهندسة الوراثية ) أو اقتصاديا (النموذج الليبرالي كنموذج اقتصادي حر ) من خلال نماذج يسعى في ما بعد لإيجاد تطبيقاتها في الواقع .
- يؤكد القول على قيمة النمذجة العلمية ؛ التي تجاوزت محدودية العلم الكلاسيكي (العلم التجريبي ) الذي توقف عند حدود الظواهر الطبيعية التي يمكن أن تخضع لمبدأ الملاحظة و التجربة.و بالتالي فالنمذجة العلمية كطريقة و منهج و رؤية حررت العقل العلمي من شروط
و حدود هو واضعا ( الحتمية – الموضوعية – الوصف – التفسير ) و وسعت من أفق الحقيقة و المعرفة العلمية عموما.
- يؤكد القول على الطابع المفتوح للنمذجة العلمية – كعقلانية علمية حديثة و نتمثل ذلك من خلال " لا تقتصر ... لكنها... " و كذلك على التاريخ المتصل للعلم .فالنمذجة كإنتاج  و إنشاء و تخيل تنفتح على تصور و خلق استراتيجيات فعل جديدة .
استتباعات الأطروحة:
المزايا:
- كشف القول عن قيمة النمذجة العلمية كنمذجة تحليلية أو سيستيمية ؛ في إنتاج معارف علمية تجعلنا نقترب من الحقيقة الكلية شيئا فشيئا. كما كشفت عن قيمة النمذجة من جهة كونها إبراز و إجلاء لغموض الظواهر و هو ما يمكن من إمكانية إعادة إنتاجها و التحكم فيها و من ثمة تداولها و هو ما يبن نجاعة العلم في ترويضه للظواهر من خلال السيطرة و التحكم ( الأمراض / الكوارث الطبيعية / زيادة الإنتاجية ...).
- بين القول قيمة انفتاح العلم على معنى الإنتاج ؛ إنتاج النظريات و التصورات التي ليست لها أي مرجعية واقعية بالمعنى التجريبي ؛ و هو ما مكن من إنتاج هذا الوجود الإنساني الذي ينعكس في التقنية و منتجاتها.و على هذا النحو تكون النمذجة طريقة ممتازة لا تقتصر على إبراز منتجات الطبيعة لكنها تنتج عددا لا محدودا و متنوعا من الأعمال تتجاوز الطبيعة.
- مكنت النمذجة العلماء من التحرر من سيطرة الطبيعة كمرجعية  للتفكير و التأمل؛ ليتسع أفق التفكير العلمي ليرتبط بالخيال و كل الانتاجات الإنسانية و هو ما أكد عليه " جون لويس لوموانيه " في قوله :" لقد ألفنا تمارين النمذجة ؛ منذ أمد طويل ؛ و نحن لا ندرك مشاريعنا (...) إلا بالاستعانة بنماذج رمزية سواء تشكلت بفضل الكتابات الموسيقية ؛ أو كتابات الرياضيات و الإعلامية و الكيمياء".
- تحول العلم من خلال النمذجة من عالم مغلق متناه في وقائع معطاة ؛ إلي كون مفتوح على كل الإمكانات و التأويلات. وبالتالي تحول العلم من ادعاءات الحقيقة الثابتة والمطلقة التي لا تقبل تظننا أو ارتيابا ( الوضعية المنطقية ) ؛ إلي فضاء العلم المشروع حيث تصبح المعرفة  مشاريع قابلة للانجاز؛ و الحقيقة تتحول إلي حقائق ؛ حيث يمكن الحديث في الرياضيات الحديثة ( اللااقليدية ) عن حقائق رياضية ؛ تتصف كلها بالصلاحية ؛ و ذلك بملاءمتها للفضاء الذي تتنزل فيه.
الحدود :
- إن المكاسب المتعددة للنمذجة العلمية لا يمكن أن تحجب عنا حدودا و مخاطر ؛ يمكن أن نفرعها على النحو التالي ؛ ابستمولوجية تتعلق بالمعرفة و الحقيقة و أخرى فلسفية.
* الحدود الابستمولوجية : إن في قيام النمذجة على معنى التبسيط و الاختزال ؛ قد يدفع إلي التشكيك في قيمتها كمعرفة علمية دقيقة
 و صارمة ؛ كما أن التبسيط و النمذجة باختيارها لاستراتيجيا الإهمال تتجاهل وتتغافل عن أسئلة من الصعب الإجابة عنها – في علاقة بالتحول و الفوضى و التجدد و الخلق والتعقد. - فالكون في سيرورة في طور التفكك و التنظيم في آن – و بهذا تكون نماذج التبسيط تشويه و سلب لحقيقة الأشياء و الظواهر – حيث تقدمها في هيئة جامدة تتنافى مع شروط الحياة.
 - إن في قيام النمذجة العلمية على نماذج تبسيطية غايتها الوصف و التفسير والتحليل ؛ قد ينفي - ينفي الطابع الخلاق للنموذج  ؛ باعتباره يقوم على استراتيجيا الإهمال والإغفال و هو ما يؤكده "بسكال نوفال" في قوله: " ليس النموذج علامة على علاقة مستحدثة بين عناصر كثيرة – بل هو على الأصح تعبير عن استراتيجيا الإهمال .".
- حتى و إن توفرت قدرة  للعلم على تفسير بعض جوانب الطبيعة والكون، لكنه لن يستطيع تفسير كل شيء بإطلاق؟ وهو ما يؤكد عليه S. Weinbergفي كتابه  La physique peut-elle tout expliquer. إذ سيكون ثمة دائماً حوادث تظل غير مفسرة. ليس لأننا لا نستطيع تفسيرها حتى مع امتلاكنا لكافة الشروط الدقيقة التي تمت فيها هذه الحوادث، ولكن لأننا لن نعرف أبداً هذه الحوادث: فهي حوادث ضائعة. لن نعرف مثلاً أبداً ما هي الحوادث التي أدت لأن يكون لنا هذا العدد المحدد من المورثات، أو لماذا ضرب نيزك ضخم في نقطة محددة الأرض قبل 65 مليون سنة. إن الجزء الأعظم مما يحاول العلماء معرفته يتعلق بحوادث ضائعة في ضباب الزمن.                                          
* الحدود الفلسفية : إن ارتباط النمذجة ببعد تتداولي ؛ يرتبط بالنجاعة العلمية من جهة الممارسة ؛ قد ينسينا العالم الإنساني و ذلك بإغراقه بالتقنيات التي لا يمكن أن ننكر مساهمتها في رفاه الإنسان و تقدمه  إلا قد تسلبه مقومات الوجود الحقيقي ؛ كما أن التركيز المطلق على الحقيقة بمعزل عن محيطها الإنساني بما هو محيط جمالي و أخلاقي ؛ قد يعود عليه بالاغتراب ؛ و الشقاء ؛ إن لم نقل الفناء.
الخاتمة:
يمكن أن نختم و نعيد ما قاله " غاستون بشلار ": لا يوجد شيء يقيني بالنسبة إلي الروح العلمي ؛ و لا يوجد شيء معطى ؛ بل كل شيء مبني ". و على هذا الأساس يمكن أن نخلص إلي القول بان النمذجة تأكيد على الطابع المفتوح للعقلانية العلمية، طالما لا معنى لنموذج مكتمل، وهو ما يؤكد نسبية النماذج، دون أن تفهم هذه النسبية على معنى التشريع لنزعة ريبية في العلم، وإنما تحمل على معنى تأكيد طموح العلم نحو فتح أفق البحث على ما استغلق على العقل العلمي زمن سيادة البراديغم الميكانيكي أو التوجه الوضعي، أي طموح العلم في طلب الكلي، فضلا على أن النمذجة هي تجاوز للمعطى والاكتفاء بالظاهر نحو المنشأ والمبني والمبتكر وهو ما يمكن أن يبرز علاقة النمذجة بمطلب الكلي،وما يسمح لنا بالتأكيد على علاقة التناغم بين النمذجة ومطلب الكلي.

حوار سارتر مع الرئيس جمال عبد الناصر


حوار سارتر مع الرئيس جمال عبد الناصر
في يوم 9مارس 1967 كان " جمال عبد الناصر " يستقبل زائرين هما الفيلسوف الفرنسي الشهير " جان بول سارتر " ومعه الكاتبة الفرنسية الكبيرة "سيمون دي بوفوار". كان جمال عبد الناصر مهتما بلقاء "سارتر" و "دي بوفوار" وهما وقتها طليعة حركة التجدد الثوري في فرنسا وفى أوروبا فضلا عن أن "سارتر" كان مؤسس المدرسة الوجودية في الفلسفة وكانت "سيمون دي بوفوار " حليفه الضخم في معركة إعادة اكتشاف وتجديد حيوية المجتمعات الأوروبية في فترة منتصف الستينات وما حولها . وفى نفس الوقت كان "سارتر" و "دي بوفوار" متشوقين للقاء "جمال عبد الناصر" ويظنان أن لديهما الكثير يقولانه له ويسمعانه منه.
 وتسجل الصفحة الأولى من محضر الاجتماع ترحيب " جمال عبد الناصر " بالاثنين ثم قول " سارتر " انه رأى السد العالي وزار الأرض الجديدة المستزرعة على مياهه كما شاهد المجتمعات السكانية الجديدة التي تقدمت إلى الحياة بعد تراجع الصحراء . ثم أضاف انه لم يكن يعرف الكثير عن الثورة المصرية ، وما كان يعرفه كان أكثره – بصراحة – من مصادر إسرائيلية أو غربية قد تكون معادية لمصر . بل انه يستطيع أن يشهد بهذا العداء بعد أن رأى ما رأى في مصر . لكنه يرى من واجبه أن يثير إلى جانب هذا موضوعا أخر يتعلق بحقوق الإنسان . فمنذ وصل إلى مصر تلقى في فندقه عددا من الخطابات يشكو له أصحابها من ضغط واقع عليهم . وبدأ " جمال عبد الناصر " يتحدث.
 وتسجل الصفحة الثانية من المحضر قوله لـ "سارتر" : "إنني في حاجة إلى أن اطلب من أجهزة الأمن أن يبحثوا لي عن مرسلي هذه الخطابات إليك فأنت وأنا نستطيع أن نتصور نوع الناس الذين يعرفون في مصر عنك وعن السيدة سيمون بالطبع إنهم الطبقة التي تقرأ الفرنسية أو تقرأ غيرها من اللغات الأجنبية وتتابع الأدب العالمي . وأنا لا ألومهم إذا وجدوا سببا لان يكتبوا إليك . أستطيع وتستطيع معي أن تقطع إنهم من كبار الملاك السابقين وقد حددنا ملكياتهم ولا أظنهم يحبون ذلك أو يقبلونه وهم لا يستطيعون وقف حركة الثورة . وبالتالي لا مانع عندهم من أن يشتكوا إلى كل من يتصورون انه قادر على سماع صوتهم وعلى إسماعه . فهذه هي الطبيعة الإنسانية وأنا افهمها ولكني في الوقت الذي أرى فيه دموع الأغنياء لابد أن أتذكر قهر الأغلبية التي كانت غريبة في وطنها لا تملك فيه شيئا".
وتسجل الصفحة الثالثة من المحضر قول "جمال عبد الناصر" لـ "سارتر" و"دي بوفوار" : "إن الناس بالطبيعة محافظون والملكية غريزة طبيعية في الإنسان ، فإذا أردت أن تقوم بتغيير في أوضاع الملكية فانك لا تصطدم فقط بالغريزة الطبيعية لدى الذين تمسهم إجراءاتك فحسب ، وإنما تصطدم بالغريزة الطبيعية لكثيرين ليسوا الآن من كبار الملاك لكنهم يحلمون أن يصبحوا كذلك في يوم من الأيام" .
وتسجل الصفحة الرابعة من محضر الاجتماع قول " جمال عبد الناصر " لـ "سارتر و "دي بوفوار" : " إن مرحلة الانتقال من مجتمع تسيطر فيه القلة على مجتمع تتحقق فيه عدالة التوزيع عملية في منتهى الصعوبة ، كما أن مرحلة الانتقال هذه هي اخطر المراحل في حياة المجتمعات لان التنظيم القديم للمجتمع يكون قد تهاوى، وفى نفس الوقت لا يكون التنظيم الجديد لهذا المجتمع قد قام بعد".
وتدخلت " سيمون دي بوفوار " في الحديث فسألت عن تعليم المرأة وتعدد الزوجات وتأثير الدين في حياة المجتمع ، ثم أضافت إلى هذه الكتلة من الأسئلة سؤالا أخر عن مشكلة زيادة عدد السكان .
وتسجل الصفحة التاسعة من محضر الاجتماع عن " جمال عبد الناصر " وسارتر ودى بوفوار عند سفح الهرم قوله لـ " سيمون دي بوفوار ": " أنني لا أريدك أن تأخذي بمقولة أن الإسلام يمكن أن يكون عائقا للتطور فميزة الإسلام في رأيي انه دين مفتوح على كل العصور وكل مراحل التطور . وأنا دائما انقل عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قوله داعيا الناس للاجتهاد إزاء مستجدات العصور " انتم اعلم بشؤون دنياكم ". وبالنسبة لتعدد الزوجات فانا لا أرى أن الإسلام يتركها رخصة مفتوحة وإنما هي رخصة مقيدة بشروط تجعل التعدد صعبا بل تكاد تجعله مستحيلا والدليل على ذلك ما نراه عمليا أمامنا ومؤداه أن ظاهرة تعدد الزوجات تتلاشى تدريجيا في المجتمع المصري.
وأما عن تعليم المرأة ، وأنا اعتبره الأساس الحقيقي لحريتها فسوف اطلب من مكتبي أن يبعثوا إليك بإحصائيات عن عدد "البنات" في مراحل التعلم المختلفة، وكذلك في مجالات العمل في مجتمع المدارس والجامعات الآن أكثر من مليون فتاة وفى مجالات العمل المختلفة الآن حوالي 2 مليون سيدة تعمل . وفى رأيي أن هذه حركة التطور حية ومرئية وأنا اعرف أن بعض المشايخ قد يقفون على منابر مساجدهم ليقولوا كلاما أخر ولكن كلامهم في اعتقادي غير مؤثر لان ضرورات التطور أقوى من كل ما يقولون . أما بالنسبة للزيادة في عدد السكان فانا اعرف أنها مشكلة قائمة فهناك زيادة سنوية في عدد السكان تقدر بـ 800 ألف. وفى أول الثورة كان تعدادنا 22 مليونا واليوم نحن 31 مليونا".
وتدخل " سارتر " في المناقشة ليقول انه لابد من أن حل على مستوى الدولة لهذه المشكلة واستطرد " جمال عبد الناصر " مستكملا عرض رأيه قائلا : "تستطيع أن تقوم بحملات دعائية كما تشاء ، ونحن أقمنا لجانا لتنظيم الأسرة في كل المدن والقرى ، وفى رأيي أن الحل الحقيقي ليس في أي حملات دعائية الحل الحقيقي في زيادة الإنتاج عن طريق استصلاح الاراضى والتصنيع ، وكذلك فان التعليم في رأيي هو أهم عنصر لأنه يبدو لي من الإحصاءات أن أبناء المتعلمين اقل من أبناء غير المتعلمين . فالمتعلم ينظم حياته على أساس موارده وأما غير المتعلم فيترك المسائل للمصادفات " .
ومرة أخرى قاطعه " سارتر " قائلا : " إن واحدا من المحافظين قال لي أن المشكلة مشكلة كهرباء ، فعندما يتم استكمال مشروعكم لكهربة الريف يدخل التليفزيون على أوسع نطاق ، وسيكون من اثر هذا أن الناس سيجدون شيئا أخر يسليهم غير ممارسة إنجاب الأطفال " .ومضى " جمال عبد الناصر " يستكمل حديثه ضاحكا وقائلا لـ "سارتر": "لكن المشكلة انه حتى إذا عممنا التليفزيون فان برامجه تنتهي في الساعة الحادية عشرة والنصف وبعدها فان الليل طويل . ولا يزال تقديري أن التعليم وزيادة الإنتاج تقدم أحسن وسائل للحل . على سبيل المثال كان عندي عشر أخوات ، واحد أصدقائي وهو الماريشال "عامر" كان عنده 13 أخا – ولكنني الآن عندي خمس أولاد . وأتصور أن أيا من أبنائي سوف يجد من الصعب عليه أن يكون عنده أكثر من اثنين أو ثلاثة" .
وتسجل الصفحة 28 من محضر الاجتماع حوارا بين "جمال عبد الناصر" و "سارتر" جرى على النحو التالي :
سارتر: "إن اليسار في أوروبا لا يستطيع أن يفهم موقفكم من حل الحزب الشيوعي المصري . لقد سمعنا أن هذا الحزب قد حل نفسه بنفسه ولا نتصور أن حزبا شيوعيا يتخذ مثل هذا الإجراء إلا تحت الضغط " .
جمال عبد الناصر :" أي يسار في أوروبا هذا الذي تتحدث عنه ؟ هل هو يسار الاشتراكيين في فرنسا الذين يقودهم جى موليه والذين رأيناهم متواطئين في العدوان علينا سنه 1956 مع الاستعمار البريطاني ومع "إسرائيل" ؟ سارتر : "أنا لا اقصد موليه ولا اقصد الاشتراكيين الفرنسيين . الاشتراكيون الفرنسيون ضيعوا كل اختياراتهم التاريخية وانتهى بالتحالف مع اليمين ولذلك فإنهم خانوا " . جمال عبد الناصر :" الحقيقة أنني أسائل نفسي كثيرا هذه الأيام عن معنى هذه التعبيرات التي نستعملها بما فيها تعبير " الاشتراكيين " هذه التعبيرات في رأيي تحتاج إلى صياغات جديدة وعلى أي حال فسأعود إلى سؤالك نحن لم نمارس أي ضغط على الحزب الشيوعي لكي يحل نفسه وأظن أن عناصر كثيرة في هذا الحزب اكتشفت بالتجربة أن قضايا التطور تحتاج إلى تفكير جديد . هل أنت شيوعي ؟".
سارتر :"إنني ماركسي ولكني لا انتمى تنظيميا إلى حزب ". جمال عبد الناصر:" إنني مستعد أفهمك وأنا بالفعل افرق بين الماركسية والحزب الشيوعي . الماركسية فكر يطرح نفسه على الناس ويؤثر فيهم بقدرته على الحوار وإيجاد حلول لقضايا التطور والتقدم . وعندما تتحول الماركسية إلى حزب شيوعي فأنها تتحجر لأنها تدخل في قالب تنظيمي لا يسمح بالمراجعة والتجديد وإنما يوجه همه إلى التجميد والسعي للحصول على السلطة وبما أن الشيوعيين أقلية فإنهم يلجأون إلى العمل السري والى تنظيمات ما تحت الأرض شأنهم في ذلك شأن أقصى اليمين . ومع ذلك فانا أريد أن أسألك لماذا تسألني عن الحزب الشيوعي وحده ؟ إنني أفكر في تعددية من نوع جديد ولم اعثر على الصيغة الملائمة بعد . والحقيقة إنني أخشى من الحزبية فلو أبحنا الحزبية الآن وفى ظل الحرب الباردة التي تجرى على الساحة العالمية الآن لوجدتني على الفور أمام حزب شيوعي موال لروسيا وحزب رجعى موال للأمريكان وربما حزب ديني يؤدى قيامه إلى فتنه دينية في البلاد . ولهذا فالقضية في رأيي اكبر من الحزب الشيوعي". سارتر: "إنني لاحظت أن الرئيس وضع " إسرائيل " في نفس الصف مع الاستعمار البريطاني وقوى اليسار الفرنسية التي خانت رسالتها وهذا يعقد الأمور في الشرق الأوسط".
جمال عبد الناصر : " الذي يعقد الأمور ليس إنني أضعهم في هذا الصف أو ذلك ولكن الذي يعقدها فعلا هو "إسرائيل" . لا يمكن لأي جماعة من الناس أن ينقضوا على بلد ويأخذونه لأنفسهم ويحولوا سكانه الأصليين إلى مواطنين من الدرجة الثانية ، الذي يعقد الأمور هو ضياع الحقوق العربية في فلسطين . بعض الناس يتصورون أن هذا الجيل من الشعب الفلسطيني تعود على ضياع وطنه وانه يموت أو يكاد يموت . وينسون في هذا أن جيلا جديدا سوف يظهر جيل لا يشعر بالضياع ولا يشعر بالمهانة وهذا الجيل سوف يقاوم ليحصل على حقوقه الإنسانية أولا ثم الوطنية وهكذا والشئ الثاني الذي يعقد الأمور في موضوع "إسرائيل" ليس تصنيفا لها ، وإنما علاقتها بالولايات المتحدة وهو موضوع يدفع المنطقة الآن إلى حافة الحرب فـ "إسرائيل" تريد التوسع وتريد أن تفرض هذا التوسع بالقوة وهذا معناه الحرب" .
 سارتر :" هناك مجموعات في " إسرائيل " خصوصا من اليسار يتفهمون قضية الشعب الفلسطيني ".
جمال عبد الناصر : "الموضوع ليس موضوع مشكلة تفهم وإنما الموضوع يتلخص في مشكلتين : المشكلة الأولى الهجرة لـ " إسرائيل " باستمرار الهجرة لن تتسع " إسرائيل " للقادمين إليها وستلجأ للتوسع وهذا يؤدى إلى الحرب والمشكلة الثانية انه إذا كان هناك من يتفهم مشكلة الشعب الفلسطيني كما تقول من عناصر اليسار الاسرائيلى فلا أظن أن لديهم ما هو أكثر من الألفاظ والتعاطف بها ببساطة لان أهم حقوق الفلسطيني هي حق العودة فإذا عادوا فسيصبحون أغلبية وعندئذ تذوب فكرة دولة " إسرائيل".
وتسجل صفحة 48 من محضر الاجتماع ردا لـ " جمال عبد الناصر " على سؤال وجهه إليه " سارتر " عن القضية التي تشغله الآن أكثر من غيرها وكان قوله : "العالم كله يحاول إخراج الشباب من السياسة ويحاولون الهاءهم بأنواع من الرقص الجديد ويحولون اهتمامهم إلى الرياضة وأنا أرى ذلك خطرا كبيرا(*) القضية التي أتمنى لو استطعت أن أركز عليها هي أن يشعر الشباب أن السياسة هي عملية صنع مستقبله وان اهتمامه بها ومشاركته فيها هما اكبر ضمانات المستقبل . ما أراه في الاتحاد السوفيتي وما أراه في غيره يجعلني اقلق لان الأجيال القديمة تحجب أجيالا جديدة عن المشاركة وهذه مشكلة فإذا حجبنا الشباب عن العمل السياسي تتوقف حيوية الأنظمة ويزداد الاعتماد على عناصر القوة في المجتمع. وهذه ليست وصفة مضمونة لحماية التطور ".

مواقع مفيدة

موقع الفلسفة الإسلامية
Philosophia Islamica
بالعربية والأنقليزية
مقالات ودراسات للبكالوريا
من الكوجيطو الديكارتي  إلي الإنسان الأرقى النيتشوي ٍ  الأبعاد و المخاطر الأستاذ فيصل خضر
www.alfalsafa.com/machrou moudakhala.html
منزلة الآخر في تجربة الوعي   التيجاني القماطي
www.alfalsafa.com/manzilet al akher.html
لتفلسف :   أهو فن طرح المشكل أم قدرة على ابتكار حل له ؟   زهير الخويلدي
/www.alfalsafa.com/attafalsouf.html
الأنا وجه لوجه مع الآخر أو ليفناس فيلسوف الغيرية  زهير الخويلدي
http://www.alfalsafa.com/al ana wajhon li wajh.html
النمذجة وآفاق التنظير في الخطاب النقدي الحديث عبد الباسط لكراري
في مفهوم العدالة  جون راولز John Rawls   ½
http://www.alfalsafa.com/fi mafhoum al adala.html
التجديد في تعليم الفلسفة من وجهة نظر عربية: زهير الخويلدي
حوار سارتر مع الرئيس جمال عبد الناصر

SOS PHILOSOPHIE

موسوعة فلسفية
قاموس فلسفي
قاموس مصطلحات الفلسفة الإسلامية
Dictionary of Islamic Philosophical Terms
موسوعة الروابط الفلسفية

A Dictionary of Philosophical Terms and Names