الجمعة، 11 أبريل 2014

هابرماس ودريدا … «الفلسفة في زمن الإرهاب»

هابرماس ودريدا … «الفلسفة في زمن الإرهاب»

08مارس

بقلم: الباحث خالد غزال

khaled-ghazal طرحت تفجيرات ايلول (سبتمبر) في الولايات المتحدة الاميركية عام 2001 تحديات سياسية وعسكرية وفكرية وفلسفية على العاملين في هذه المجالات. كانت التحديات الفكرية-الفلسفية هي الأصعب، بحيث كان مطلوباً الغوص بما هو أعمق من التفسيرات المؤامراتية التي تلجأ اليها الأنظمة السياسية لتفسير العمل الارهابي الذي يطاولها.
فالأسئلة هنا يجب أن تجيب عن السبب الذي يجعل إنساناً، سواء أكان جاهلا ام متعلماً، ينهي حياته بكل بساطة بعمل إرهابي يودي بجمع كبير من الأبرياء، ويزهق روحه في الوقت نفسه؟ وما الأسباب الاجتماعية والسياسية التي تجعل من الإرهاب فلسفة تلتزمها قوى اجتماعية، وتمارس عملها بصرف النظر عما اذا كان موجهاً ضدّ العدو الفعلي لها، ام انه إرهاب من اجل الإرهاب؟ وما مسؤولية الأنظمة السياسية والنظام العالمي في توليد الإرهاب الاعمى في بلدان متقدمة او متخلفة؟ وما مسؤولية الحداثة نفسها عن تصاعد هذا الإرهاب، عندما يوظف هذا الارهاب تقنيتها المتطورة، خصوصاً قطاع الاتصالات، في أعماله كما حصل في اكثر من مكان؟ اسئلة كثيرة اثارتها تفجيرات اميركا، وازدادت خلال العقدين الاخيرين من القرن الحالي بفعل نمو الإرهاب وتهديده المجتمعات كافة. وبهدف تقديم مساهمة في الأجوبة، عمدت الكاتبة الأميركية الايطالية الأصل جيوفانا بورادوري إلى إجراء مقابلتين مع كلٍّ من الفيلسوف الالماني يورغن هابرماس والفيلسوف الفرنسي جاك دريدا لمناقشة مسألة الفلسفة والإرهاب. جمعت المقابلتين في كتاب تحت عنوان «الفلسفة في زمن الإرهاب» (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – بترجمة وتقديم خلدون النبواني).
ما يجمع بين الفيلسوفين اعتبارهما الإرهاب مفهوماً مراوغاً يعرّض الحلبة السياسية العالمية لأخطار واسعة، ويطرح تحديات مستقبلية على النظام العالمي نفسه. وهما يتفقان على ان الإرهاب الراهن وردود الفعل العسكرية أو الديبلوماسية تطرح ضرورة اعادة تقويم القيم والمثل التي قال بها عصر التنوير ومدى صلاحية هذا المشروع في الزمن الراهن، حيث ان المنظومة التشريعية والسياسية المكونة للقانون الدولي وللمؤسسات المتعددة الموجودة اليوم تقوم على الإرث الفلسفي الغربي المستند الى التنوير.guilaf-falsafa.-1jpg
يذهب هابرماس إلى إعادة بناء المحتوى السياسي للإرهاب من حيث واقعية الأهداف التي يرمي اليها، وهو يرى «أنّ المحتوى السياسي للنزعة الارهابية مجرد صورة ارتجاعية». يشدّد على أخطار قرار إعلان الحرب على الارهاب كما تجلّى في القرارات السياسية للولايات المتحدة، لأنّ مثل هذه القرارت ستكون ذات أثر كبير على الصعيد الداخلي، بحيث تؤدّي الى عسكرة الحياة العادية، وقد تقوّض اعمال الدولة الدستورية، وتؤثر سلباً في امكانات المشاركة الديموقراطية. أمّا على الصعيد الدولي، فقد يتكشف استخدام الموارد العسكرية عن نتائج خطيرة، بل وغير فعالة كما حصل في الحروب التي شنّت بعد العام 2001 تحت عنوان «محاربة الارهاب». في نقاشه الفلسفي، يتبنى هابرماس القيمة الكونية للمؤسسات الجمهورية ولقضية الديموقراطية والمشاركة التي تفترضها، وهي عناصر موروثة من عصر التنوير. وهو لا يوافق على أنّ التنوير فشل بوصفه مشروعاً فكرياً، بل المشكلة تكمن عنده في ضياع الأصل النقدي من التاريخ الذي بات شبه مجهول، وهو من العوامل التي «ادت الى فتح الطريق امام الهمجية السياسية».
يتهم هابرماس الإدارة الأميركية بأنها تخدم أهداف الإرهابيين الذين يريدون نشر الرعب في المجتمع الاميركي، بكل ما تقوم به من استعراض لجاهزيتها واستعدادها لمواجهة عدوّ مجهول تسميه الارهاب، تولّد لدى الاميركيين هالة من الهلع والرعب هو جلّ ما يبغيه الارهابيون.
يذهب الفيلسوف الالماني في تحليله للإرهاب الطالع من مجتمعات عربية إلى القول إن الغرب بات كبش فداء لكلّ تجارب الضياع الفعلية التي اصابت العالم العربي على امتداد العقود السابقة، وهي التجارب التي عانتها الشعوب العربية من العولمة المتسارعة التي سعت الى نزع الهوية والموروث الثقافي لهذه الشعوب. وهو يحمّل خيبة الامل من الانظمة الوطنية الحاكمة مسؤولية انفلات النزعة الاصولية الاسلامية، بالنظر الى الفشل الذي منيت به في تحقيق برنامجها في تحسين مستوى المعيشة والحد من الامية والبطالة وتحقيق الديموقراطية واستعادة الاراضي المحتلة وتحقيق التحرر الوطني… هذا مع إشارة هابرماس الى ان المجتمعات الغربية المتقدمة والتي تعيش حياة مرفهة لا تخلو من عنف بنيوي يضرب هذه المجتمعات من خلال عدم المساواة الاجتماعية والتمييز المهين بين الفئات الاجتماعية، ناهيك عن الإفقار والتهميش، ليصل الى تحميل الرأسمالية المنفلتة من الحدود مسؤولية مركزية في انفلات الارهاب، وليخلص الى القول انه اذا لم يوضع حد لهذا الانفلات للرأسمالية المتوحشة فسيكون من المستحيل «وقف التدمير التراتبي للمجتمع الدولي».
يذهب الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا أبعد مما يطرحه هابرماس. لا يفصل دريدا بين مختلف انواع الإرهاب، اي ارهاب الدولة والارهاب المحلي او العالمي الذي تقوم به منظمات خارجة على القانون.
ويشير إلى الدور الكبير الذي لعبته العولمة في الارهاب بالنظر الى ما سببته من مظاهر عدم التكافؤ والتهميش والإفقار لكثير من المجتمعات، ففي «القرون الأخيرة، تراكمت مقدمات وضعية، جيوسياسية، نستشعر آثارها اليوم، ويأتي في مقدمها التناقض بين التهميش والإفقار الذي تتناسب وتيرته مع النمو السكاني».
يحمل دريدا الولايات المتحدة الاميركية مسؤولية تصاعد الإرهاب، فهي التي هيأت له الأرض قبل أن يصل إليها من خلال دعمها لبن لادن في الحرب في افغانستان، وهي بذلك خلقت أوضاعاً سياسية – عسكرية مناسبة لظهور الإرهابيين وبالتالي ارتدادهم عليها لاحقاً. والحرب على الإرهاب، خلافاً لما تهدف إليه، تعيد «توليد أسباب الشر التي تدعي استئصالها على المدى الطويل أو القصير».
يعتبر دريدا أن حدث 11 ايلول يتطلب اجابة فلسفية تعيد النقاش إلى المفاهيم الفلسفية المتجذرة حتى الزمن الحالي، مما يستدعي بحثاً في الفلسفة السياسية وموروثها. تكمن الحاجة الى هذا النقاش في ظل الخطاب السائد الذي تهيمن عليه وسائل الاعلام والكلام الرسمي المتحذلق حول الحرب والارهاب. فالارهابيون، في دفاعهم عن انفسهم، يقولون انما يردون على ارهاب الدولة الداخلي عليهم، وان قرارات الامم المتحدة وإدانتها للإرهاب، من دون نقاش فلسفي لموضوع الارهاب الدولي، فوضت الولايات المتحدة استخدام كل انواع الاسلحة المشروعة وغير المشروعة تحت حجة محاربة الارهاب.
إذا كان النقاش حول الإرهاب لا يزال مفتوحاً بقوة في المجتمعات الغربية، فإن المجتمعات العربية التي دخلت بقوة في اتون الارهاب، تحتاج اكثر الى قراءة بنيوية فكرية وفلسفية تساهم في تعيين الاسباب الكامنة وراء انفجار العنف بالشكل الذي نراه في اكثر من مكان. تقع مسؤولية على عاتق العاملين في ميدان الفكر والفلسفة في انتاج ثقافة مناهضة للإرهاب ولمنظومته الفكرية المتلبسة لباس الدين والمستخدمة له في الاهداف السياسية التي ترمي اليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق